لماذا نشعر بثقلٍ في شهورٍ معيّنة… ويتكرّر الأمر كل عام؟
قد يمرّ علينا شهرٌ يبدو أطول من غيره، كأنّ الوقت يتمدّد، والهواء يضيق، والشغف يتراجع خطوةً بعد خطوة. نشعر بالكسل، بالخنقة، وبأنّ المشكلات القديمة تعود لتطرق الباب كما لو كانت تحفظ الميعاد. هذا الإحساس ليس عبثًا، ولا هو صدفة تتكرّر بلا معنى… بل هو جزء من خريطة داخلية يعمل فيها الوعى والطاقة معًا.
في تلك الشهور، لا يتغيّر العالم… بل يتغيّر تفاعلنا معه. والسرّ يبدأ من الداخل.
تفسير هذه الظاهرة من منظور نفسى–طاقى متوازن، سوف يتيح للإنسان نقطة دخول عملية لتنظيف الجذر بدل الاستسلام للشعور.
أولًا: ذاكرة الوعى
العقل لا ينسى المواسم التى ارتبطت بمشاعر صعبة. يكفى أن يقترب الشهر ذاته ليبدأ الجسد فى تكرار نفس الإحساس قبل أن يحدث أى شىء فعليًا. إنها “ذاكرة غير مرئية” تسحب المشاعر القديمة من تحت الرماد.
لمعلومات أكثر عن تأثير الوعى الجمعى إضغط هنا
ثانيًا: البصمة الطاقية للأحداث القديمة
عندما نمرّ بتجربة قوية – حزينة أو مُرهقة – تترك فى هالتنا “تردّدًا” يبقى عالقًا ما لم نُعالج جذره. بمجرد أن يقترب موعد الحدث السنوى، تهتزّ هذه البصمة كما لو أنّها تستيقظ من جديد.
ثالثًا: ضغط التراكمات
نحن لا نشعر بثقل الشهر… بل بثقل ما لم نواجهه. كل قرار مؤجَّل، كل خطوة لم تُؤخذ، كل مشاعر دُفنت، تتحرك داخل النفس مع تغيّر الفصول كأنّها تطالب بالدور.
رابعًا: تغيّر الإيقاع الحيوى للجسد
للجسد مواسم مثل مواسم الأرض. هناك شهور يصعد فيها النشاط، وشهور ينخفض فيها، ويغلب عليها بطءٌ طبيعى يجعل النفس أكثر حساسيّة وأقلّ قدرة على التحمل.
خامسًا: نداء التغيير الذى نتجاهله
الثقل ليس عدوًّا… بل رسالة. كل مرة يتكرر فيها الشعور فى نفس الموعد، فهو يفتح بابًا لمراجعة درسٍ لم نكمله. كأنّ الشهر نفسه يقول: “لقد عدتُ كي لا تعيشى بنفس الطريقة مرة أخرى.”
ولهذا يبدو الشهر طويلاً… لأنه يطلب منك أن تتوقّفى.
ولهذا يتكرر… لأنه ينتظر قرارًا مختلفًا.
ولهذا نشعر بالخنقة… لأن المساحة القديمة لم تعد تناسب حجمك الحالى.
ما يحدث ليس عقابًا… بل فرصة لإعادة ضبط الوعى وتنظيف الطاقة من الأنماط العالقة. وفى اللحظة التى نواجه فيها الجذر، يتغير الشهر… ويتغير الإحساس… وكأنّ العالم يُعيد تشكيل نفسه حولك.
الخلاصة
السبب الرئيس للشعور الثقيل في شهر معين هو وجود “نمط مُخزَّن” يتفعّل كل عام: مشاعر قديمة + ذاكرة جسدية + بصمة طاقية لم تُحلّ بعد.
اجلسى دقيقتين وحددى: ما الحدث أو الشعور الذى كان يضرب فى هذا الشهر دائمًا؟
تسمية الجذر تُضعف نصف قوّته فورًا.
الثقل فى شهور معيّنة يحدث نتيجة تفاعل:
– ذاكرة شعورية جماعية متراكمة.
– أثر صدمة حمل حدثت للأم فى نفس الشهر.
– نمط قديم لم يُعالَج ويستيقظ كل عام فى موعده.
خطوة واحدة يمكنك تطبيقها الآن:
اكتبى: ما الشهر الذى يثقل عليك؟ وما أول ذكرى أو حدث فى عائلتك يرتبط بهذا الشهر؟
مجرد تسمية الحدث تُضعف شدته وتكشف أول خيط للجذر.
➖➖➖➖➖➖➖
تفسير الشعور بثقل بعض الشهور وعلاقته بذكريات الطفولة والصدمة القديمة
عندما يشعر الإنسان بأن شهرًا معينًا يحمل ثقلًا أو حزنًا أو خمولًا متكررًا كل عام، فهذا غالبًا يشير إلى وجود بصمة نفسية غير معالجة.
العقل اللاواعى لا يقيس الزمن بالأيام… بل يقيسه بـ الأحداث.
فإن حدث فى طفولتك موقف مؤلم خلال شهر محدد، يظل اللاوعى يرفع “إشارة تحذير” كلما عاد هذا الشهر، كأنّه يقول:
هناك جرح لم يُغلق بعد… انتبهى.
وأحيانًا يكون الثقل ليس بسبب تجربتك أنت، بل بسبب صدمة للأم أثناء الحمل، فيتشكل لدى الجنين ارتباط زمنـى لا يعرف سببه، لكنه يشعر به كلما عاد ذلك الوقت من السنة.
كيف تكتشفين ما هى التجربة أو الذكرى أو الجرح المرتبط بالشهر الثّقيل؟
جرّبى تمرينًا واحدًا دقيقًا:
عندما يقترب الشهر الذى يضطرب فيه شعورك، اجلسى فى هدوء واطرحى على نفسك ثلاثة أسئلة محددة:
1. ما أول ذكرى تأتينى عندما أذكر هذا الشهر؟
حتى لو بدت تافهة… اللاواعى يتحدث عبر التفاصيل الصغيرة.
2. ما الإحساس الجسدى الذى أشعر به عندما يقترب هذا الشهر؟
ثقل فى الصدر؟ توتر فى المعدة؟ هذه إشارات للجرح الأصلى.
3. هل كانت فى هذا الشهر أحداث عائلية متكررة: مرض، شجار، وفاة، خوف، انتقال؟
غالبًا الجروح تكون جماعية داخل الأسرة.
اكتبي ما يظهر فورًا، لأنّ الذى يطفو أولًا هو الأقرب للجرح الأصلى.
لماذا هذه الطريقة هى الأفضل؟
لأنها تعتمد على استدعاء الذاكرة الشعورية وليس الذاكرة العقلية.
العقل ينسى، لكن الجسم واللاوعى لا ينسَيان.
وعندما تربطين الإحساس الجسدى + الوقت + الذكرى الأولى التى تظهر، تتشكل أمامك خريطة الجرح القديمة بوضوح مذهل.
بدائل أخرى ومتى نستخدم كل واحدة
١) الاسترجاع عبر كتابة اليوميات (Journaling timeline)
اكتبى تسلسل حياتك عامًا بعد عام وحددى فى أى الشهور حدثت تغييرات أو صدمات.
تُستخدم عندما يكون لديكِ فترات طويلة منسية فى الطفولة.
٢) تقنية التفريغ العاطفى عبر الرسم
ارسمى الشهر كشخص أو شكل، ثم لاحظى ملامحه.
يُستخدم عندما يصعب التعبير بالكلمات.
٣) الرجوع إلى ذاكرة الأم
اسألى الأم – إن أمكن – ماذا حدث خلال الحمل أو سنواتك الأولى.
يُستخدم عندما يتكرر الثقل دون وجود أى ذكريات شخصية.
٤) استحضار “خط الزمن” عبر التأمل
تخيّلى أن حياتك خط ممتد، وسيرى عليه، وقفِ عند الشهر.
يُستخدم عندما تكونين حسّاسة بصريًا أو حسية بالصور الداخلية.
اكتبى هذه الجملة وأكمليها:
“عندما يأتى شهر (…)، أشعر بـ (…) وهذا الإحساس يذكرنى بـ (…)”.
أول ما يخرج من داخلك هو الخيط الأول للحقيقة.
